شريط الاخبار

نظرة عالمية عن الغلاديوالحلف الأطلسي ينشىء منظمات سرية إرهابية بأوروبا قبل انشاها فى العالم العربى


المنظمات الارهابية في اوروبا

خلفية هذه المنظمات

لكي نفهم خلفية هذه المنظمات السرية وسبب وجودها والغاية والهدف من تشكيلها سنأخذ ايطاليا انموذجا، لاننا لا نستطيع هنا شرح تاريخ هذه المنظمات السرية في جميع دول حلف الناتو، لان هذا يحتاج الى كتاب كامل، وقد تم فعلا اصدار عدة كتب في هذا الموضوع في مختلف الدول الاوروبية.

لماذا اخذنا ايطاليا انموذجا من بين دول حلف الناتو ؟

أولا: لان اقوى هذه المنظمات السرية واكثرها دموية كانت في ايطاليا.

ثانيا: ان الحزب الشيوعي الايطالي كان اقوى الاحزاب الشيوعية في اوروبا ، وكاد ان يصل الى الحكم، وهذا الاحتمال افزع الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها، فوجهوا اهتماما خاصا لايطاليا وبذلوا كل ما في وسعهم _ حتى عمليات الارهاب والقتل - للحيلولة دون هذا الامر.

ثالثا:ان ايطاليا تتمتع بموقع جغرافي هام جدا فهي قريبة من جهة من منطقة البلقان، وهي من جهة اخرى من الدول المطلة على البحر الابيض المتوسط، اي تستطيع تهديد المواصلات بين مضيق جبل طارق وبين قناة السويس. واي حكومة شيوعية ومنحازة الى المعسكر الشيوعي في ايطاليا تكون ذات خطورة قاتلة لمصالح الولايات المتحدة الامريكية ومصالح العالم الغربي باسره وتقلب موازين القوى في هذه المنطقة الحساسة.

نرى هذا المعنى واضحا في الوثيقة الرسمية الصادرة عن اللجنة الوطنية للامن القومي الامريكي الصادر في 10شباط لعام 1948 فقد جاءت التوصية او التحذير الأتي :

( على الولايات المتحدة الامريكية القيام بكل ما في وسعها من الناحية السياسية والاقتصادية بل وحتى العسكرية للحيلولة دون وقوع ايطاليا - نتيجة لنشاط الشيوعيين - تحت نفوذ الاتحاد السوفيتي )

وقد وضعت الولايات المتحدة الامريكية خطة لانزال عسكري على جزر صقلية وساردونيا ومساعدة الحكومة الايطالية في حالة نشوب حرب اهلية في ايطاليا بين الحكومة الايطالية وبين الشيوعيين وقيام الحكومة الايطالية الشرعية بطلب المساعدة من الولايات المتحدة الامريكية.

كان مثل هذا التدخل العسكري يبدو قانونيا امام الرأي العام العالمي، لانه سيتم بطلب من الحكومة الايطالية الشرعية.

ولكن الخطر الداهم الذي كان ماثلا امام الانظار بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية هو احتمال قيام جبهة ديمقراطية موحدة في الانتخابات القادمة ( اي انتخابات 16/4/1948)مؤلفة من الحزب الشيوعي الايطالي ( الذي بلغ مجموع اعضائه أكثرمن مليون عضو ) وبين الحزب الاشتراكي وبقية الاحزاب اليسارية الصغيرة ضد الحزب الديمقراطي المسيحي الايطالي.

كان احتمال قيام هذه الحبهة ثم فوزها في انتخابات 1948 يعد طامة كبرى للغرب ، لانه كان يعني وصول الشيوعيين الى الحكم عن طريق قانوني، ولا سيما في تلك الاعوام التي دخلت يوغسلافيا فيها الى المعسكر الشرقي، وسحبت انكلترة يدها عن مساعدة اليونان وتركيا ( لانها لم تعد قادرة على تقديم اي مساعدة اقتصادية لهما )، كما كان الكونجرس الامريكي - الذي كان تحت سيطرة الجمهوريين - قد قرر اتباع سياسة الكف عن اعطاء المساعدات الاقتصادية للدول الاخرى.

لقد اصبح هذا الاحتمال، اي احتمال وصول الحزب الشيوعي الايطالي الى الحكم عن طريق قانوني هاجس سياسة الولايات المتحدة الامريكية طوال ثلاثين سنة منذ عام 1948، لان تحقق مثل هذا الاحتمال كان سيقلب دون شك موازين القوى التي تأسست في مؤتمر (يالطا)، ويؤدي الى اضعاف المعسكر الغربي بشكل كبير .

في وثيقة اخرى صادرة عن اللجنة الوطنية للامن القومي الامريكي في 8/3/1948 نقرأ:

(لو تمت الانتخابات هذا اليوم فمن المحتمل احراز الجبهة الديمقراطية أغلبية ضئيلة. ولكن ان سارت الامور سيرها الحالي حتى موعد الانتخابات فليس من المستبعد إحرازها أغلبية كبيرة ، ومثل هذا الامر يضر بمصالح الولايات المتحدة الامريكية في البحر الابيض المتوسط.كما ان اشتراك الشيوعيين في الحكومة بعد مثل هذا الفوز في انتخابات شهر نيسان سيؤدي الى سيطرتهم الكاملة على الحكومة،ويحول ايطاليا الى حكومة دكتاتورية مرتبطة مع موسكو، وهذا يعني اضرارا بالمصالح الامريكية، لذا فان أعضاء اللجنة الوطنية للأمن القومي يهيبون بالحكومة الامريكية لتقديم جميع المساعدات الممكنة للحكومة الايطالية الحالية، كي لا تقع في مثل هذه المصيبة في الانتخابات القادمة )

ولم تتأخر حكومة الولايات المتحدة الامريكية في تطبيق هذه التوصيات، فقررت - كما جاء في مجلة (U.S.News and world report  ) الاسبوعية- وضع خطة أطلقت عليها خطة (x) لمساعدة الحكومة الايطالية ضد الحركة الشيوعية، ويتم تمويلها برصيد لا يمر من موافقة الحكومة. والهدف من هذه الخطة مساعدة القوى المعادية للشيوعيين مساعدة مالية وعسكرية، كذلك محاولة ابعاد الاشتراكيين عن الشيوعيين، وسلوك كل الطرق ومنها التعاون مع اليمين المتطرف لاحداث قلاقل في البلد وتحميلها لليسار المتطرف. وكان الشيوعيون يملكون آنذاك خمسين الف مسلح ويعتمدون على مليون من الانصار حسب رأي " وليام دون Willam Dunn " سفير الولايات المتحدة الامريكية في روما   لذا فان قيام حركة شيوعية مسلحة لم يكن مستبعدا، وهذا الاحتمال هو الذي دفع وزير الداخلية الايطالي (ماريو سكلبا Mario Scelba  " الى اجراء تطبيقات لمقاومة الشغب اشترك فيها عشرون الف شرطي مع العربات المدرعة قبل اسبوع واحد من موعد الانتخابات.

في 16/4/ 1948 جرت الانتخابات النيابية في ايطاليا وفاز فيها الحزب المسيحي الديمقراطي باكثرية 48 مقعدا، اي تم تجاوز الخطر الذي كانت الولايات المتحدة وانكلترة تخشاه، ولكن يجب الا ننسى ان الولايات المتحدة الامريكية لعبت دورا بارزا للوصول الى هذه النتيجة، ففي 31/3/1948 ( اي قبل موعد اجراء الانتخابات باسبوعين فقط)تمت المصادقة على مشروع (مارشال )، وبدأت البواخر الامريكية التي تحمل المواد الغذائيةوالادوية والاجهزة والمستلزمات الطبية تصل الى الموانىء الايطالية هدية من الشعب الامريكي للشعب الايطالي.كما كانت اذاعة ( صوت امريكا ) تقوم ببث دعاية قوية في مدح نظام العالم الحر، علاوة الى تشكل فرق عديدة من المتخصصين في العلاقات الجماهيرية - بتوصية من المخابرات الامريكية C.I.A. - للعمل في هذا الاتجاه،كما تدفقت ملايين الدولارات للحكومة الايطالية، فقد وافق الكونجرس الامريكي في شهر مارس لعام 1948 على تخصيص (227)مليون دولار لايطاليا كمساعدة خاصة، وذكرت الصحف الامريكية انه تم صرف (20)مليون دولار ضد الجبهة التي شكلها الشيوعيون .

كما لم تقف الفاتيكان مكتوفة الايدي، بل شاركت في هذه الحملة ضد الشيوعيين، اذ خطب البابا في ساحة ( سانت بير ) في شهر ايلول لسنة 1947امام حشد بلغ ( 300) ألف شخص فقال:

(ان كل من يساعد حزبا لا يعترف بالله هو شخص خائن وكاف).

وعندما تأسست المخابرات العسكرية الايطالية (SIFAR)في 1/9/1949 من قبل وزير الدفاع ( M.BRONZO ) - الذي اصبح فيما بعد السكرتير العام لحلف الناتو- تأسست وهي مرتبطة من اللحظة الاولى بالحكومة الامريكية،اذ وضعت تحت رعاية وإشراف ( Carmel Offie) الذي كان من منتسبي المخابرات الامريكية.

في عام 1953جاء اول طلب من من حلف الناتو الى المخابرات العسكرية الايطالية وهو وجوب وضع خطة ( Demanyetize)الشاملة موضع التنفيذ، وهي خطة تستهدف مكافحة الشيوعية في ايطاليا وفرنسا ( حيث كان الحزب الشيوعي قويا فيهما) وتقليل نفوذهما في النقابات العمالية وكذلك السعي لتجفيف منابع تمويلهما.(5)

وعندما قام الجنرال ( ديغول ) بسحب فرنسا من الجناح العسكري للحلف الاطلسي تم كشف بعض المعاهدات السرية المعقودة بين فرنسا وبين الولايات المتحدة الامريكية، ومنها بعض ما ذكرناه اعلاه.

السر ينكشف

في 26/11/1956 تم تشكيل اول منظمة سرية شبه عسكرية (او فيما اشتهر بعد ذلك باسم Gladio )في ظل التعاون بين حلف الناتو وبين المخابرات العسكرية الايطالية ( SIFAR)، وكان للجنرال " De Lorenzo" ( الذي أصبح فيما بعد رئيسا للمخابرات العسكرية الايطالية بجهود وسعي سفيرة الولايات المتحدة الامريكية في روما ) دورا كبيرا في هذا الامر. وجاء في احدى الوثائق السرية العائدة الى عام 1959 والتي كشفها المحقق الايطالي ( Casso de Venise)في ارشيف المخابرات العسكرية ما يأتي تحت توقيع الجنرال " لورانزو" وهو يشرح سبب وجود منظمة " كلاديو" :

(ان تعرض اي جزء من اراضي اي دولة في حلف الناتو الى عمليات داخلية هدامة، او الى هجوم خارجي قامت هذه المنظمة بالتدخل).

والحقيقة ان وجود منظمة (كلاديو)بقي سرا لمدة تزيد على (45) سنة، ولم تعترف الحكومة الايطالية بوجودها رسميا الا في 3/8/1990عندما مثل رئيس وزراء ايطاليا (جوليان اندريوتي G. Andreotti )امام ( لجنة تحقيق الجرائم ) التي شكلها البرلمان الايطالي حيث اعترف بوجود منظمة سرية تم تشكيلها بطلب من حلف الناتو لمقاومة الحركات الشيوعية. ولم يكتف البرلمان بهذا الاعتراف لانه كان يريد تفاصيل اكثر لكي يعرف اسباب الكثير من الجرائم التي ارتكبت في ايطاليا وبقيت سرا لايعرف احد من قام بارتكابها،فوعد رئيس الوزراء باعطاء الوثائق الرسمية التي تملكها الحكومة في هذا الصدد.وفي 17/10/1990 قدم رئيس الوزراء الى البرلمان تقريرا مدعما بالوثائق يتألف من اثنتين وعشرين صفحة، وقامت مجلة ( بانوراما Panorama) الايطالية في 11/11/1990 بنشر هذا التقرير كاملا.

وقد صدم الرأي العام الايطالي عندما عرف بان شخصا مثل رئيس الوزراء (اندريوتي) الذي قضى خمسين سنة في السياسة وأصبح رئيسا للوزراء سبع مرات ووزيرا لثلاث وثلاثين مرة ... ان يقوم مثل هذا السياسي المرموق بالتستر بل بالموافقة على وجود مثل هذه المنظمة الارهابية التي اغرقت البلد في سلسلة من الجرائم البشعة.

ومما زاد الطين بلة التصريح الذي ادلى به رئيس الجمهورية الايطالية (فرانجسكو كوسيكا  Francesco  Cossiga ) في 27/10/1990 عند زيارته لاسكتلندة واعترف فيه بانه كان على علم بوجود هذه المنظمة السرية عندما كان مستشارا لوزارة الدفاع الايطالي وانه ساهم في تشكيلها من الناحية الادارية ، وانه يفخر بان سر هذه المنظمة بقي محفوظا مدة خمس واربعين سنة.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق